فاستيقظ عمر فقال: الهرمزان! قالوا: نعم، قال: لا أكلمه حتى لا يبقى عليه من حليته شئ، فرموا بالحلية وألبسوه ثوبا ضعيفا، فقال عمر: يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر؟ - وقد كان صالح المسلمين مرة ثم نكث - فقال: يا عمر انا وإياكم في الجاهلية كنا نغلبكم إذ لم يكن الله معكم ولا معنا، فلما كان الله معكم غلبتمونا، قال: فما عذرك في انتقاضك مرة بعد مرة؟ قال: أخاف إن قلت إن تقتلني، قال: لا باس عليك!
فأخبرني، فاستسقى ماء فاخذه وجعلت يده ترعد، قال: مالك؟ قال: أخاف ان تقتلني وانا اشرب، قال: لا باس عليك حتى تشربه، فألقاه من يده، فقال: ما بالك! أعيدوا عليه الماء ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش، قال: كيف تقتلني وقد أمنتني؟ قال:
كذبت! قال: لم أكذب، فقال انس: صدق يا أمير المؤمنين، قال: ويحك يا انس!
انا أؤمن قاتل مجزاة بن ثور والبراء بن مالك! والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك! قال:
انك قلت: (لا باس عليك حتى تخبرني ولا باس عليك حتى تشرب) وقال له ناس من المسلمين مثل قول انس، فاقبل على الهرمزان، فقال: تخدعني! والله لا تخدعني الا ان تسلم، فأسلم، ففرض له ألفين، وأنزله المدينة.
* * * بعث عمر عمير بن سعيد الأنصاري عاملا على حمص، فمكث حولا لا يأتيه خبره، ثم كتب إليه بعد حول: إذا أتاك كتابي هذا فأقبل واحمل ما جبيت من مال المسلمين، فاخذ عمير جرابه، وجعل فيه زاده وقصعته، وعلق أداته، وأخذ عنزته (1) وأقبل ماشيا من حمص حتى دخل المدينة وقد شحب لونه، واغبر وجهه، وطال شعره. فدخل على عمر فسلم، فقال عمر: ما شأنك يا عمير؟ قال: ما ترى من شأني، ألست تراني صحيح البدن، ظاهر الدم، معي الدنيا اجرها بقرنيها؟ قال: وما معك - فظن عمر أنه قد جاء