ان الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر، واتخذ عليكم الحجج فيما اتاكم من كرامة الدنيا والآخرة من غير مسالة منكم، لا رغبة منكم فيه إليه، فخلقكم - تبارك وتعالى - ولم تكونوا شيئا لنفسه وعبادته، وكان قادرا ان يجعلكم لاهون خلقه عليه فجعلكم عامة خلقه، ولم يجعلكم لشئ غيره، وسخر لكم ما في السماوات والأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وحملكم في البر والبحر، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. ثم جعل لكم سمعا وبصرا. ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم ومنها نعم اختص بها أهل دينكم، ثم صارت تلك النعم خواصها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم، وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة الا لو قسمتم ما وصل منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها، وفدحهم حقها الا بعون الله مع الايمان بالله ورسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم، إلا أمتين أمة مستعبدة للاسلام وأهله، يتجرون لكم، تستصفون (1) معايشهم وكدائحهم، ورشح جباههم، عليهم المؤنة، ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملا الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجئون إليه ولا مهرب يتقون به، قد دهمتهم جنود الله ونزلت بساحتهم، مع رفاغة (2) العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله، في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الاسلام، والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى ان يبلغ شكر الشاكرين، وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين، مع هذه النعم التي لا يحصى عددها، ولا يقدر قدرها، ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه! فنسأل الله الذي أبلانا هذا ان يرزقنا العمل بطاعته، والمسارعة إلى مرضاته. واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفى مجالسكم مثنى وفرادى، فإن الله تعالى قال لموسى:
(١١١)