شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ١١١
ان الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر، واتخذ عليكم الحجج فيما اتاكم من كرامة الدنيا والآخرة من غير مسالة منكم، لا رغبة منكم فيه إليه، فخلقكم - تبارك وتعالى - ولم تكونوا شيئا لنفسه وعبادته، وكان قادرا ان يجعلكم لاهون خلقه عليه فجعلكم عامة خلقه، ولم يجعلكم لشئ غيره، وسخر لكم ما في السماوات والأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وحملكم في البر والبحر، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. ثم جعل لكم سمعا وبصرا. ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم ومنها نعم اختص بها أهل دينكم، ثم صارت تلك النعم خواصها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم، وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة الا لو قسمتم ما وصل منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها، وفدحهم حقها الا بعون الله مع الايمان بالله ورسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم، إلا أمتين أمة مستعبدة للاسلام وأهله، يتجرون لكم، تستصفون (1) معايشهم وكدائحهم، ورشح جباههم، عليهم المؤنة، ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملا الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجئون إليه ولا مهرب يتقون به، قد دهمتهم جنود الله ونزلت بساحتهم، مع رفاغة (2) العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله، في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الاسلام، والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى ان يبلغ شكر الشاكرين، وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين، مع هذه النعم التي لا يحصى عددها، ولا يقدر قدرها، ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه! فنسأل الله الذي أبلانا هذا ان يرزقنا العمل بطاعته، والمسارعة إلى مرضاته. واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفى مجالسكم مثنى وفرادى، فإن الله تعالى قال لموسى:

(1) استصفى الشئ: أخذ منه صفوه.
(2) الرفاغة: سعة العيش وطيبه.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281