بمال، قال: معي جرابي اجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها واغسل منها رأسي وثيابي، وأداتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا ان عرض لي.
قال عمر: أفجئت ماشيا؟ قال: نعم، لم يكن لي دابة: قال: أفما كان في رعيتك أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا، ولا سألتهم ذلك، قال عمر: بئس المسلمون خرجت من عندهم! قال عمير: اتق الله يا عمر، ولا تقل الا خيرا، قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون! قال عمر: فماذا صنعت في أمارتك؟ قال: وما سؤالك؟ قال: سبحان الله! قال:
أما إني لولا أخشى ان اعمل ما أخبرتك. أتيت البلد، فجمعت صلحاء أهله فوليتهم جبايته ووضعه في مواضعه ولو أصابك منه شئ لأتاك، قال: أفما جئت بشئ؟ قال: لا، فقال:
جددوا لعمير عهدا، قال: ان ذلك لشئ لا أعمله بعد لك، ولا لأحد بعدك، والله ما كدت أسلم - بل لم أسلم، قلت لنصراني معاهد: أخزاك الله، فهذا ما عرضتني له يا عمر! ان أشقى أيامي ليوم صحبتك! ثم استأذنه في الانصراف، فأذن له، ومنزله بقباء بعيدا عن المدينة، فأمهله عمر أياما ثم بعث رجلا يقال له الحارث، فقال: انطلق إلى عمير بن سعد وهذه مائة دينار، فإن وجدت عليه أثرا فاقبل على بها، وان رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة، فانطلق الحارث فوجد عميرا جالسا يفلي قميصا له إلى جانب حائط، فسلم عليه، فقال عمير:
انزل رحمك الله! فنزل فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة، قال: كيف تركت أمير المؤمنين؟
قال: صالحا، قال: كيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين، قال: أليس عمر يقيم الحدود؟
قال: بلى، ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه، فقال عمير: اللهم أعن عمر، فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك! قال: فنزل به ثلاثة أيام، وليس لهم الا قرص من شعير كانوا يخصونه كل يوم به ويطوون، حتى نالهم الجهد، فقال له عمير: إنك قد أجعتنا، فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل، فأخرج الحارث الدنانير فدفعها إليه، وقال: بعث بها أمير المؤمنين فاستغن بها، فصاح وقال: ردها، لا حاجة لي فيها، فقالت المرأة: خذها