عليهم سرمدا شاهدوا من اخطار دارهم أفظع مما خافوا ورأوا من آياتها أعظم مما قدروا فكلا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فاتت مبالغ الخوف والرجاء فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا وما عاينوا ولئن عميت آثارهم وانقطعت اخبارهم لقد رجعت فيهم ابصار العبر وسمعت عنهم آذان العقول وتكلموا من غير جهات النطق فقالوا كلحت الوجوه النواضر وخوت الأجسام النواعم ولبسنا أهدام البلى وتكاءدنا ضيق المضجع وتوارثنا الوحشة وتهدمت علينا الربوع الصموت فانمحت محاسن أجسادنا وتنكرت معارف صورنا وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ولم نجد من كرب فرجا ولا من ضيق متسعا فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك وقد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت واكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت وتقطعت الألسنة في أفواههم بعد ذلاقتها وهمدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها وعاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها وسهل طرق الآفة إليها مستسلمات فلا أيد تدفع ولا قلوب تجزع - لرأيت أشجان قلوب وأقذاء عيون لهم في كل فظاعة صفة حال لا تنتقل وغمرة لا تنجلي فكم اكلت الأرض من عزيز جسد وأنيق لون كان في الدنيا غذي ترف وربيب شرف يتعلل بالسرور في ساعة حزنة ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ظنا بغضارة عيشه وشحاحه بلهوه ولعبه فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك إليه في ظل عيش غفول إذ وطئ الدهر به حسكه ونقضت الأيام قواه ونظرت إليه الحتوف من كثب فخالطه بث لا يعرفه ونجى هم
(١٥١)