[ذكر بعض أحوال
المنافقين بعد
وفاة محمد عليه السلام] واعلم أن هذا التقسيم صحيح وقد كان في أيام
الرسول صلى الله عليه وآله منافقون وبقوا بعده وليس يمكن أن يقال إن النفاق
مات بموته والسبب في استتار حالهم بعده انه صلى الله عليه وآله كان لا يزال بذكرهم بما ينزل عليه من
القرآن فإنه مشحون بذكرهم الا ترى أن أكثر ما نزل بالمدينة من
القرآن مملوء بذكر
المنافقين فكان السبب في انتشار ذكرهم وأحوالهم وحركاتهم هو
القرآن فلما انقطع الوحي بموته صلى الله عليه وآله لم يبق من ينعى عليهم سقطاتهم ويوبخهم على أعمالهم ويأمر بالحذر منهم ويجاهرهم تارة ويجاملهم تارة وصار المتولي للامر بعده يحمل الناس كلهم على كاهل المجاملة ويعاملهم بالظاهر وهو الواجب في
حكم الشرع والسياسة الدنيوية بخلاف حال
الرسول صلى الله عليه وآله فإنه كان تكليفه معهم غير هذا التكليف ا لا ترى انه قيل له
﴿ولا تصل على أحد منهم مات ابدا﴾ (1) فهذا يدل على أنه كان يعرفهم بأعيانهم والا كان النهى له عن
الصلاة عليهم تكليف ما لا يطاق والوالي بعده لا يعرفهم بأعيانهم فليس مخاطبا بما خوطب به صلى الله عليه وسلم في أمرهم ولسكوت الخلفاء عنهم بعده خمل ذكرهم فكان قصارى أمر
المنافق أن يسر ما في قلبه ويعامل المسلمين بظاهره ويعاملونه بحسب ذلك ثم فتحت عليهم البلاد وكثرت
الغنائم فاشتغلوا بها عن الحركات التي كانوا يعتمدونها أيام رسول الله وبعثهم الخلفاء مع الامراء إلى بلاد فارس والروم فألهتهم الدنيا عن الأمور التي كانت تنقم منهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ومنهم من استقام اعتقاده وخلصت نيته لما رأوا
الفتوح وإلقاء الدنيا أفلاذ كبدها من الأموال العظيمة والكنوز الجليلة إليهم فقالوا لو لم يكن هذا الدين