الفصاحة لقريش غيره) وينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عدى بن الرقاع * قلم أصاب من الدواة مدادها (1) *.
فلما قيل لهم في ذلك قالوا انا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن وإني لأطيل التعجب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدل على أن طبعه مناسب لطباع الأسود والنمور وأمثالهما من السباع الضارية ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح الذين لم يأكلوا لحما ولم يريقوا دما فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس الشيباني وعتيبة ابن الحارث اليربوعي وعامر بن الطفيل العامري وتارة يكون في صورة سقراط الحبر اليوناني ويوحنا المعمدان الإسرائيلي والمسيح بن مريم الإلهي.
وأقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة والى الان أكثر من الف مرة ما قرأتها قط الا وأحدثت عندي روعة وخوفا وعظة وأثرت في قلبي وجيبا وفي أعضائي رعدة ولا تأملتها الا وذكرت الموتى من أهلي وأقاربي وأرباب ودي وخيلت في نفسي فقال إني انا ذلك الشخص الذي وصف عليه السلام حاله وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى وكم وقفت على ما قالوه وتكرر وقوفي عليه فلم أجد لشئ منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي فاما أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله أو كانت نية القائل صالحة ويقينه كان ثابتا وإخلاصه كان محضا