[فصل أن الجوع يؤثر في صفاء النفس] واعلم أن السبب الطبيعي في كون الجوع مؤثرا في صفاء النفس أن البلغم الغالب على مزاج البدن يوجب بطبعه البلادة وإبطاء الفهم لكثرة الأرضية فيه وثقل جوهرة وكثرة ما يتولد عنه من البخارات التي تسد المجاري وتمنع نفوذ الأرواح ولا ريب أن الجوع يقتضى تقليل البلغم لان القوة الهاضمة إذا لم تجد غذاء تهضمه عملت في الرطوبة الغريبة الكائنة في الجسد فكلما انقطع الغذاء استمر عملها في البلغم الموجود في البدن فلا تزال تعمل فيه وتذيبه الحرارة الكائنة في البدن حتى يفنى كل ما في البدن من الرطوبات الغريبة ولا يبقى الا الرطوبات الأصلية فان استمر انقطاع الغذاء اخذت الحرارة والقوة الهاضمة في تنقيص الرطوبات الأصلية من جوهر البدن فإن كان ذلك يسيرا والى حد ليس بمفرط لم يضر ذلك بالبدن كل الاضرار وكان ذلك هو غاية الرياضة التي أشار أمير المؤمنين عليه السلام إليها بقوله (حتى دق جليلة) ولطف غليظة) وإن أفرط وقع الحيف والإجحاف على الرطوبة الأصلية وعطب البدن ووقع صاحبة في الدق والذبول وذلك منهي عنه لأنه قتل للنفس فهو كمن يقتل نفسه بالسيف أو بالسكين * * * [كلام للفلاسفة والحكماء في المكاشفات الناشئة عن الرياضة] واعلم أن قوله عليه السلام: (وبرق له لامع كثير البرق) هو حقيقة مذهب الحكماء وحقيقة قول الصوفية أصحاب الطريقة والحقيقة وقد صرح به الرئيس أبو علي ابن سينا في كتاب (الإشارات) فقال في ذكر السالك إلى مرتبة العرفان ثم إنه
(١٣٧)