[بيان أحوال العارفين] وقد كنا وعدنا بذكر مقامات العارفين فيما تقدم وهذا موضعه فنقول إن أول مقام من مقامات العارفين وأول منزل من منازل السالكين التوبة قال الله تعالى ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ (1) وقال النبي صلى الله عليه وآله (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وقال علي عليه السلام (ما من شئ أحب إلى الله من شاب تائب).
والتوبة في عرف أرباب هذه الطريقة الندم على ما عمل من المخالفة وترك الزلة في الحال والعزم على الا يعود إلى ارتكاب معصية وليس الندم وحده عند هؤلاء توبة وإن جاء في الخبر (الندم توبة) لأنه على وزان قوله عليه السلام: (الحج عرفة) ليس على معنى أن غيرها ليس من الأركان بل المراد انه أكبر الأركان وأهمها ومنهم من قال يكفي الندم وحدة لأنه يستتبع الركنين الآخرين لاستحالة كونه نادما على ما هو مصر على مثله أو ما هو عازم على الاتيان بمثله.
قالوا وللتوبة شروط وترتيبات فأول ذلك انتباه القلب من رقدة الغفلة ورؤية العبد ما هو عليه من سوء الحالة وإنما يصل إلى هذه الجملة بالتوفيق للإصغاء إلى ما يخطر بباله من زواجر الحق سبحانه يسمع قلبه فان في الخبر النبوي عنه صلى الله عليه وآله (واعظ كل حال الله في قلب كل امرئ مسلم) وفي الخبر (إن في بدن المرء لمضغة إذا صلحت صلح جميع البدن الا وهي القلب وإذا فسدت فسد جميع البدن الا وهي القلب).