وقطعت الركبتين من الساقين وقطعت الساقين من القدمين فلما ذهبت أقفي ناداني التراب فقال يا عمر عليك بأكفان لا تبلى فقلت وما أكفان لا تبلى قال تقوى الله والعمل بطاعته وهذا من الباب الذي نحن بصدده نسب الأقوال المذكورة إلى التراب وهو جماد ولم يكن ذلك ولكنه اعتبر فانقدحت في نفسه هذه المواعظ الحكمية فأفرغها في قالب الحكاية ورتبها على قانون المسألة والإجابة وأضافها إلى جماد موات لأنه أهز لسامعها إلى تدبرها ولو قال نظرت فاعتبرت في حال الموتى فوجدت التراب قد قطع كذا من كذا لم تبلغ عظته المبلغ الذي بلغته حيث أودعها في الصورة التي اخترعها.
قوله عليه السلام: (فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك) إلى آخر جواب (لو) هذا الكلام اخذه ابن نباته بعينه فقال فلو كشفتم عنهم أغطية الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث لوجدتم الأحداق على الخدود سائلة والألوان من ضيق اللحود حائلة وهوام الأرض في نواعم الأبدان جائلة والرؤوس الموسدة على الايمان زائلة ينكرها من كان لها عارفا ويفر عنها من لم يزل لها آنفا.
قوله عليه السلام: (ارتسخت أسماعهم) ليس معناه ثبتت كما زعمة الراوندي لأنها لم تثبت وإنما ثبتت الهوام فيها بل الصحيح انه من رسخ الغدير إذا نش ماؤه ونضب و يقال قد ارتسخت الأرض بالمطر إذا ابتلعته حتى يلتقي الثريان.
واستكت أي ضاقت وانسدت قال النابغة ونبئت خير الناس انك لمتني * وتلك التي تستك منها المسامع (1).