فلما مات عمر وولى عثمان خلى عنهم فانتشروا في البلاد واضطربوا وانقطع إليهم الناس وخالطوهم فلذلك كان عثمان أحب إلى قريش من عمر.
فقد بان لك حسن رأي عمر في منع المهاجرين وأهل السابقة من قريش من مخالطة الناس والخروج من المدينة وبان لك أن عثمان أرخى لهم في الطول (1) فخالطهم الناس وأفسدوهم وحببوا إليهم الملك والإمرة والرئاسة لا سيما مع الثروة العظيمة التي حصلت لهم والثراء مفسدة وأي مفسدة وحصل لطلحة والزبير من ذلك ما لم يحصل لغيرهما ثروة ويسارا وقدما في الاسلام وصار لهما لفيف عظيم من المسلمين يمنونهما الخلافة ويحسنون لهما طلب الامرة لا سيما وقد رشحهما عمر لها وأقامهما مقام نفسه في تحملها وأي امرئ منى بها قط نفسه ففارقها حتى يغيب في اللحد ولا سيما طلحة قد كان يحدث بها نفسه وأبو بكر حي ويروم أن يجعلها فيه بشبهه انه ابن عمه وسخط خلافه عمر وقال لأبي بكر ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا وكان له في أيام عمر قوم يجلسون إليه ويحادثونه سرا في معنى الخلافة ويقولون له لو مات عمر لبايعناك بغته جلب الدهر علينا ما جلب وبلغ ذلك عمر فخطب الناس بالكلام المشهور إن قوما يقولون إن بيعه أبى بكر كانت فلتة وانه لو مات عمر لفعلنا وفعلنا اما أن بيعه أبى بكر كانت فلتة الا إن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع إليه الرقاب كأبي بكر فأي امرئ بايع أمرا من غير مشورة من المسلمين فإنهما بغرة أن يقتلا فلما صارت إلى عثمان سخطها طلحة بعد أن كان رضيها وأظهر ما في نفسه والب عليه حتى قتل ولم يشك أن الامر له فلما صارت إلى علي عليه السلام حدث منه ما حدث وآخر الدواء الكي.
واما الزبير فلم يكن الا علوي الرأي شديد الولاء جاريا من الرجل مجرى نفسه.