قال أبو عثمان: وربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز - وهو من العامة ويظن أنه من الخاصة - يزعم أن معاوية كان أبعد غورا، وأصح فكرا، وأجود روية، وأبعد غاية، وأدق مسلكا، وليس الامر كذلك، وسأرمي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه، والمكان الذي دخل عليه الخطا من قبله.
كان علي عليه السلام لا يستعمل في حربه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة، كما يستعمل الكتاب والسنة، ويستعمل جميع المكايد، حلالها وحرامها، ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى، وخاقان إذا لاقى رتبيل (1)، وعلي عليه السلام يقول: لا تبدءوهم بالقتال حتى يبدأوكم، ولا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، هذه سيرته في ذي الكلاع، وفى أبى الأعور السلمي، وفى عمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وفى جميع الرؤساء، كسيرته في الحاشية والحشو والاتباع والسفلة وأصحاب الحروب، إن قدروا على البيات بيتوا، وإن قدروا على رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا، وإن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة، وإن كان الحرق أعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق، وإن أمكن الهدم لم يتكلفوا الحصار، ولم يدعوا أن نصبوا المجانيق (2)، والعرادات (3)، والنقب، والتسريب، والدبابات (4)، والكمين (5)، ولم يدعوا دس السموم، ولا التضريب بين الناس بالكذب وطرح