فخرج الأشتر حتى انتهى إلى القلزم (1) حيث تركب السفن من مصر إلى الحجاز، فأقام به، فقال له ذلك الرجل، وكان ذلك المكان مكانه: أيها الأمير، هذا منزل فيه طعام وعلف، وأنا رجل من أهل الخراج، فأقم واسترح، وأتاه بالطعام حتى إذ طعم سقاه شربة عسل، قد جعل فيها سما، فلما شربها مات.
قال إبراهيم: وقد كان أمير المؤمنين كتب على يد الأشتر كتابا إلى أهل مصر، روى ذلك الشعبي عن صعصعة بن صوحان:
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بمصر من المسلمين:
سلام الله عليكم، فإني أحمد الله إليكم، الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر.
لا نأكل من قدم، ولا واه في عزم، من أشد عباد الله بأسا، وأكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو مالك بن الحارث الأشتر، حسام صارم، لا نابي الضريبة، ولا كليل الحد، حليم في السلم، رزين في الحرب، ذو رأى أصيل، وصبر جميل. فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفر فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري. وقد آثرتكم به على نفسي، نصيحة لكم، وشدة شكيمة على عدوكم، عصمكم الله بالهدى، وثبتكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله.
* * * قال إبراهيم وروى جابر عن الشعبي قال: هلك الأشتر حين أتى عقبة أفيق (2).
قال إبراهيم: وحدثنا وطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي، عن أبيه، عن عاصم