فقتلوهما. ثم بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا. وخرج معاوية بن حديج من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان، فأجابه القوم وناس كثير آخرون، وفسدت مصر على محمد بن أبي بكر، فبلغ عليا توثبهم عليه، فقال: ما أرى لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلنا بالأمس - يعنى قيس بن سعد بن عبادة - أو مالك بن الحارث الأشتر، وكان على حين رجع عن صفين، رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة، وقال لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة، ثم اخرج إلى أذربيجان، فكان قيس مقيما على شرطته، فلما أن انقضى أمر الحكومة كتب على إلى الأشتر، وهو يومئذ بنصيبين.
أما بعد، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم، وأسد به الثغر المخوف. وقد كنت وليت محمد بن أبي بكر مصر، فخرجت عليه خوارج، وهو غلام حدث السن، ليس بذي تجربة للحروب، فأقدم على لننظر فيما ينبغي. واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك. والسلام.
فأقبل الأشتر إلى علي، واستخلف على عمله شبيب بن عامر الأزدي - وهو جد الكرماني الذي كان بخراسان صاحب نصر بن سيار - فلما دخل الأشتر على على حدثه حديث مصر وخبره خبر أهلها، وقال له: ليس لها غيرك، فأخرج إليها رحمك الله، فإني لا أوصيك اكتفاء برأيك، واستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعتزم على الشدة حين لا يغنى عنك إلا الشدة.
فخرج الأشتر من عنده، فأتى برحله وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية الأشتر مصر، فعظم ذلك عليه، وقد كان طمع في مصر، فعلم أن الأشتر إن قدم عليها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر، فبعث إلى رجل من أهل الخراج يثق به، وقال له إن الأشتر قد ولى مصر، فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت، حتل في هلاكه ما قدرت عليه.