لسانك بعد تلجلجه، وأضاء وجهك بعد ظلمته، وطمست لك الشمس بالعهن المنفوش، وأظلمت لك القمر بالليلة المدلهمة.
فتناوم معاوية وأطبق جفنيه مليا، فخرج عمرو، فاستوى معاوية جالسا وقال لجلسائه:
أرأيتم ما خرج من فم ذلك الرجل؟ ما عليه لو عرض، ففي التعريض ما يكفي! ولكنه جبهني بكلامه، ورماني بسموم سهامه.
فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين: إن الحوائج لتقضى على ثلاث خصال: إما أن يكون السائل لقضاء الحاجة مستحقا فتقضى له بحقه، وإما أن يكون السائل لئيما فيصون الشريف نفسه عن لسانه فيقضى حاجته، وإما أن يكون المسؤول كريما فيقضيها لكرمه، صغرت أو كبرت.
فقال معاوية: لله أبوك! ما أحسن ما نطقت، وبعث إلى عمرو فأخبره، وقضى حاجته ووصله بصلة جليلة، فلما أخذها ولى منصرفا. فقال معاوية: ﴿فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون﴾ (1) فسمعها عمرو، فالتفت إليه مغضبا وقال: والله يا معاوية، لا أزال آخذ منك قهرا، ولا أطيع لك أمرا، وأحفر لك بئرا عميقا، إذا وقعت فيه لم تدرك إلا رميما (2). فضحك معاوية، فقال: ما أريدك يا أبا عبد الله بالكلمة، وإنما كانت آية تلوتها من كتاب الله عرضت بقلبي فاصنع ما شئت.
[عبد الله بن جعفر وعمرو بن العاص في مجلس معاوية] وروى المدائني قال: بينا معاوية يوما جالسا عنده عمرو بن العاص، إذ قال الاذن:
قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقال عمرو: والله لأسوأنه اليوم، فقال معاوية:
لا تفعل يا أبا عبد الله، فإنك لا تنصف منه، ولعلك أن تظهر لنا من منقبته ما هو خفى عنا، وما لا نحب أن نعلمه منه.