فدعوتنا تسألنا عن رأينا في ذلك، فإن كنت لذلك دعوتنا، وله جمعتنا فاعزم واصرم، ونعم الرأي ما رأيت! إن في افتتاحها عزك وعز أصحابك، وذل عدوك، وكبت أهل الخلاف عليك.
قال معاوية: أهمك ما أهمك يا بن العاص! وذلك أن عمرا كان بايع معاوية على قتال على، وأن مصر له طعمة ما بقي. فأقبل معاوية على أصحابه، وقال: إن هذا - يعنى ابن العاص - قد ظن وحقق ظنه، قالوا: ولكنا لا ندري، ولعل أبا عبد الله قد أصاب. فقال عمرو:
وأنا أبو عبد الله، إن أفضل الظنون ما شابه اليقين.
ثم إن معاوية حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، فقد رأيتم كيف صنع الله لكم في حربكم هذه على عدو كم! ولقد جاءوكم وهم لا يشكون أنهم يستأصلون بيضتكم ويجوزون بلادكم، ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال، وكفاكم مؤنتهم.
وحاكمتموهم إلى الله فحكم لكم عليهم. ثم جمع كلمتنا، وأصلح ذات بيننا، وجعلهم أعداء متفرقين، يشهد بعضهم على بعض بالكفر، ويسفك بعضهم دم بعض، والله إني لأرجو أن يتم الله لنا هذا الامر، وقد رأيت أن أحاول حرب مصر، فماذا ترون؟
فقال عمرو بن العاص: قد أخبرتك عما سألت، وأشرت عليك بما سمعت.
فقال معاوية: ما ترون؟ فقالوا: نرى ما رأى عمرو بن العاص. فقال معاوية: إن عمرا قد عزم وصرم بما قال، ولم يفسر كيف ينبغي أن نصنع!
قال عمرو: فإني مشير عليك بما تصنع، أرى أن تبعث جيشا كثيفا، عليهم رجل صارم، تأمنه وتثق به، فيأتي مصر فيدخلها فإنه سيأتينا من كان على مثل رأينا من أهلها، فنظاهره على من كان من عدونا، فإن اجتمع بها جندك ومن كان بها من شيعتك على من بها من أهل حربك، رجوت الله أن يعز نصرك، ويظهر فلجك.