وهذا الكلام منه كلام عارف عالم بأن في الناس من لا يصدقه فيما (1) يقول، وهذا أمر مركوز في الجبلة البشرية، وهو استبعاد الأمور الغريبة، وتكذيب الاخبار بها. وإذا تأملت أحواله في خلافته كلها وجدتها هي مختصرة من أحوال رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته، كأنها نسخة منتسخة منها، في حربه وسلمه، وسيرته وأخلاقه، وكثرة شكايته من المنافقين من أصحابه والمخالفين لامره، وإذا أردت أن تعلم ذلك علما واضحا، فاقرأ سورة (براءة) ففيها الجم الغفير من المعنى الذي أشرنا إليه [ذكر مطاعن النظام على الامام على والرد عليه] واعلم أن (2) النظام لما تكلم في كتاب النكت، وانتصر لكون الاجماع ليس بحجة، اضطر إلى ذكر عيوب الصحابة، فذكر لكل منهم عيبا، ووجه إلى كل واحد منهم طعنا، وقال في علي: إنه لما حارب الخوارج يوم النهروان، كان يرفع رأسه إلى السماء تارة ينظر إليها، ثم يطرق إلى الأرض فينظر إليها تارة أخرى، يوهم أصحابه أنه يوحى إليه، ثم يقول: (ما كذبت ولا كذبت)، فلما فرغ من قتالهم وأديل عليهم، ووضعت الحرب أوزارها، قال الحسن ابنه: يا أمير المؤمنين، أكان رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم إليك في أمر هؤلاء بشئ؟ فقال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني بكل حق، ومن الحق أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
قال النظام (1): وقوله: (ما كذبت ولا كذبت) ورفعه رأسه أحيانا إلى السماء وإطراقه إلى الأرض إيهام، أما لنزول الوحي عليه، أو لأنه قد أوصى من قبل في شأن الخوارج بأمر. ثم هو يقول: ما أوصى فيهم على خصوصيتهم بأمر، وإنما أوصى بكل الحق، وقتالهم من الحق.