فأما أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإذا نظرت إلى كتب الحديث والسير، لم تجد أحدا من خلق الله، عدوا ولا صديقا روى عنه شيئا من هذا الفن، لا قولا ولا فعلا، ولم يكن جد أعظم من جده، ولا وقار أتم من وقاره، وما هزل قط ولا لعب، ولا فارق الحق والناموس الديني سرا ولا جهرا، وكيف يكون هازلا، ومن كلامه المشهور عنه:
(ما مزح امرؤ مزحا إلا ومج معها من عقله مجة)! ولكنه خلق على سجية لطيفة وأخلاق سهلة، ووجه طلق، وقول حسن، وبشر ظاهر، وذلك من فضائله عليه السلام، خصائصه التي منحه الله بشرفها، واختصه بمزيتها، وإنما كانت غلظته وفظاظته فعلا لا قولا، وضربا بالسيف لا جبها بالقول، وطعنا بالسنان لا عضها باللسان (1)، كما قال الشاعر:
* * * وتسفه أيدينا ويحلم رأينا * ونشتم بالافعال، لا بالتكلم [فصل في حسن الخلق ومدحه] فأما سوء الخلق فلم يكن من سجاياه، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق). وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله:
(وإنك لعلى خلق عظيم) (2)، وقال أيضا: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (3).
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: ما الشؤم؟ فقال: سوء الخلق.
وصحب جابر رجلا في طريق مكة، فأذاه سوء خلقه، فقال جابر: إني لأرحمه، نحن، نفارقه ويبقى معه سوء خلقه!