والثناء عليه، لأنهم لو وجدوا عيبا غير ذلك لذكروه، ولو بالغ أمير المؤمنين وبذل جهده في أن يثنى أعداؤه وشانئوه عليه من حيث لا يعلمون، لم يستطع إلى أن يجد إلى ذلك طريقا ألطف من هذه الطريق التي أسلكهم الله تعالى فيها، وهداهم إلى منهاجها، فظنوا أنهم يغضون منه، وإنما أعلوا شأنه، ويضعون من قدره، وإنما رفعوا منزلته ومكانه.
* * * [أقوال وحكايات في المزاح] ونحن نذكر من بعد، ما جاء في الأحاديث الصحاح والآثار المستفيضة، المتفق على نقلها مزاح رسول الله صلى الله عليه وآله، ومزاح الاشراف والأفاضل والأكابر من أصحابه والتابعين له، ليعلم أن المزاح إذا لم يخرج عن القاعدة الشرعية لم يكن قبيحا.
فأول ذلك ما رواه الناس قاطبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إني أمزح، ولا أقول إلا حقا).
وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة؟ فقال: بل هو سنة، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (إني أمزح ولا أقول إلا الحق).
وجاء في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لامرأة من الأنصار: (الحقي زوجك فإن في عينه بياضا)، فسعت نحوه مرعوبة، فقال لها: ما دهاك؟ فأخبرته، فقال: نعم إن في عيني بياضا لا لسوء، فخفضي عليك. فهذا من مزاح رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأتت عجوز من الأنصار إليه عليه السلام، فسألته أن يدعو الله تعالى لها بالجنة، فقال:
(إن الجنة لا تدخلها العجز)، فصاحت، فتبسم عليه السلام، فقال: ﴿إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا﴾ (1).