فلما أراد قيس أن يرتحل، وضع عشرين ثوبا من ثياب مصر، وأربعة آلاف درهم عند امرأة الرجل، وقال لها: إذا جاء صاحبك، فادفعي هذه إليه، ثم رحل، فما أتت عليه إلا ساعة حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس، ومعه رمح، والثياب والدراهم بين يديه، فقال: يا هؤلاء خذوا ثيابكم ودراهمكم. فقال قيس: انصرف أيها الرجل، فإنا لم نكن لنأخذها. قال: والله لتأخذنها فقال قيس: لله أبوك ألم تكرمنا وتحسن ضيافتنا فكافأناك! فليس بهذا بأس. فقال الرجل: إنا لا نأخذ لقرى الأضياف ثمنا، والله لا آخذها أبدا. فقال قيس: أما إذ أبى ألا يأخذها فخذوه (1)، فوالله ما فضلني رجل من العرب غيره.
قال إبراهيم: وقال أبو المنذر مر قيس في طريقه برجل من بلى، يقال له: الأسود ابن فلان، فأكرمه، فلما أراد قيس أن يرتحل وضع عند امرأته ثيابا ودراهم، فلما جاء الرجل دفعته إليه، فلحقه فقال: ما أنا بائع ضيافتي، والله لتأخذن هذا أو لأنفذن الرمح بين جنبيك!
فقال قيس: ويحكم خذوه!
قال إبراهيم: ثم أقبل قيس حتى قدم المدينة، فجاءه حسان بن ثابت شامتا به، وكان عثمانيا، فقال له: نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الاثم، ولم يحسن لك الشكر. فزجره قيس وقال: يا أعمى القلب يا أعمى البصر، والله لولا ألقى بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ثم أخرجه من عنده.
قال إبراهيم: ثم أن قيسا وسهل بن حنيف، خرجا حتى قدما على على الكوفة فخبره قيس الخبر وما كان بمصر فصدقه. وشهد مع علي صفين، هو وسهل بن حنيف قال إبراهيم: وكان قيس طوالا أطول الناس وأمدهم قامة، وكان (2) سناطا أصلع شيخا شجاعا مجربا مناصحا لعلى ولولده، ولم يزل على ذلك إلى أن مات.