مناديه: من وجدناه بعد ثالثة لم يلتحق بالمهلب فقد حل لنا دمه، ثم قتل عمير بن ضابئ وغيره، فخرج الناس يهرعون إلى المهلب.
وأمير المؤمنين لم يكن ليستحل من دماء أصحابه ما يستحله من يريد الدنيا وسياسة الملك وانتظام الدولة، قال عليه السلام: (لكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي)، أي بإفساد ديني عند الله تعالى.
فإن قلت: أليست نصرة الامام واجبة عليهم؟ فلم لا يقتلهم إذ أخلوا بهذا الواجب؟
قلت: ليس كل إخلال بواجب يكون عقوبته القتل، كمن أخل بالحج. وأيضا فإنه كان يعلم عاقبة القتل فسادهم عليه واضطرابهم، فلو أسرع في قتلهم لشغبوا عليه شغبا يفضي إلى أن يقتلوه ويقتلوا أولاده، أو يسلموه ويسلموهم إلى معاوية، ومتى علم هذا أو غلب على ظنه لم يجز له أن يسوسهم بالقتل الذي يفضي إلى هذه المفسدة، فلو ساسهم بالقتل والحال هذه، لكان آثما عند الله تعالى، ومواقعا للقبيح، وفى ذلك إفساد دينه كما قال:
(لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل...) إلى آخر الفصل، فكأنه قال: لا تعتقدون الصواب والحق كما تعتقدون الخطا والباطل، أي اعتقادكم الحق قليل واعتقادكم الباطل كثير، فعبر عن الاعتقاد العام بالمعرفة الخاصة، وهي نوع تحت جنسه مجازا.
ثم قال: ولا تسرعون في نقض الباطل سرعتكم في نقض الحق وهدمه.
* * * [الاشعار الواردة في ذم الجبن] واعلم أن الهجاء بالجبن والذل الفرق كثير جدا، ونظير قوله: (إنكم لكثير في الباحات قليل تحت الرايات) قول معدان الطائي:
فأما الذي يحصيهم فمكثر * وأما الذي يطريهم فمقلل (1).