الكبير، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت. واحذروا يوما عبوسا قمطريرا، كان شره مستطيرا. أما إن شر ذلك اليوم وفزعه استطار حتى فزعت منه الملائكة الذين ليست لهم ذنوب، والسبع الشداد، والجبال الأوتاد، والأرضون المهاد. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، وتغيرت فكانت وردة كالدهان، وكانت الجبال سرابا، بعد ما كانت صما صلابا، يقول الله سبحانه: ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله﴾ (1). فكيف بمن يعصيه بالسمع والبصر، واللسان واليد، والفرج والبطن، إن لم يغفر الله ويرحم!
واعلموا عباد الله أن ما بعد ذلك اليوم أشد وأدهى، نار قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد ومقامعها حديد، وشرابها صديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت ساكنها، دار ليست لله سبحانه فيها رحمة، ولا يسمع فيها دعوة، ومع هذا رحمة الله التي وسعت كل شئ، لا تعجز عن العباد، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، خير لا يكون بعده شر أبدا، وشهوة لا تنفد أبدا، ولذة لا تفنى أبدا، ومجمع لا يتفرق أبدا. قوم قد جاوروا الرحمن، وقام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من ذهب فيها الفاكهة والريحان، وإن أهل الجنة يزورون الجبار سبحانه في كل جمعة، فيكون أقربهم منه على منابر من نور والذين يلونهم على منابر من ياقوت، والذين يلونهم على منابر من مسك، فبينا هم كذلك ينظرون الله جل جلاله، وينظر الله في وجوههم، إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر عليهم من النعمة واللذة والسرور والبهجة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه. ومع هذا ما هو أفضل منه، رضوان الله الأكبر.
أما إنا لو لم نخوف إلا ببعض ما خوفنا به لكنا محقوقين أن يشتد خوفنا مما لا طاقة