وقد تأول القطب الراوندي كلام أمير المؤمنين في هذا الفصل، فقال: إنما أنكر على من يقول: لم تعبد الله المكلفين بإقامة خمس صلوات، وهلا كانت ستا وأربعا!
ولم جعل الظهر أربع ركعات، والصبح ركعتين؟ وهلا عكس الحال! وهذا التأويل غير صحيح، لأنه عليه السلام إنما أخرج هذا الكلام مخرج المنكر على من سأله أن يصف له الباري سبحانه، ولم يكن السائل قد سأل عن العلة في أعداد الصلاة وكمية أجزاء العبادات.
ثم إنه عليه السلام قد صرح في غضون الكلام بذلك، فقال: فانظر أيها السائل، فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، وما لم يدلك عليه فليس عليك أن تخوض فيه، وهذا الكلام تصريح بأن البحث إنما هو في النظر العقلي في فن الكلام، فلا يجوز أن يحمل على ما هو بمعزل عنه.
واعلم أننا نتساهل في ألفاظ المتكلمين، فنوردها بعباراتهم، كقولهم في (المحسوسات) والصواب (المحسات)، لأنه لفظ المفعول من (أحس) الرباعي، لكنا لما رأينا العدول عن ألفاظهم إذا خضنا في مباحثهم مستهجنا عبرنا بعبارتهم على علم منا أن العربية لا تسوغها.
* * * الأصل:
هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه، لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب، متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.
* * *