ألا ترى أنه متصور صورة ما يحتذيه، ثم يوقع الفعل مشابها له، فالمحتذي عالم في الجملة، ولكن علمه يحدث شيئا فشيئا.
فأما معنى الفصل فظاهر، يقول عليه السلام: إنه ابتدع الخلق على غير مثال قدمه لنفسه ولا قدم له غيره ليحتذى عليه، وأرانا من عجائب صنعته ومن اعتراف الموجودات كلها، بأنها فقيرة محتاجة إلى أن يمسكها بقوته، ما دلنا على معرفته ضرورة، وفى هذا إشارة إلى أن كل ممكن مفتقر إلى المؤثر، ولما كانت الموجودات كلها غيره سبحانه ممكنة لم تكن غنية عنه سبحانه، بل كانت فقيرة إليه، لأنها لولاه ما بقيت، فهو سبحانه غنى عن كل شئ، ولا شئ من الأشياء مطلقا بغنى عنه سبحانه، وهذه من خصوصية الإلهية، وأجل ما تدركه العقول من الانظار المتعلقة بها.
فإن قلت: في هذا الكلام إشعار بمذهب شيخكم أبى عثمان، في أن معرفته تعالى ضرورية.
قلت: يكاد أن يكون الكلام مشعرا بذلك، إلا أنه غير دال عليه، لأنه لم يقل ما دلنا على معرفته باضطرار، ولكن قال ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، فالاضطرار راجع إلى قيام الحجة، لا إلى المعرفة.
ثم قال عليه السلام: (وظهرت آثار صنعته، ودلائل حكمته في مخلوقاته فكانت وهي صامتة في الصورة ناطقة في المعنى بوجوده وربوبيته سبحانه، وإلى هذا المعنى نظر الشاعر فقال:
فوا عجبا كيف يعصى الاله * أم كيف يجحده الجاحد وفى كل شئ له آية * تدل على أنه واحد.