الشرح:
المساك، بكسر الميم: ما يمسك ويعصم به.
وقوله: (ابتدع الخلق على غير مثال امتثله) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد (بامتثله) مثله، كما تقول صنعت واصطنعت بمعنى، فيكون التقدير أنه لم يمثل لنفسه مثالا قبل شروعه في خلق العالم، ثم احتذى ذلك المثال، وركب العالم على حسب ترتيبه، كالصانع الذي يصوغ حلقة من رصاص مثالا، ثم يصوغ حلقة من ذهب عليها، وكالبناء يقدر ويفرض رسوما وتقديرات في الأرض وخطوطا، ثم يبنى بحسبها.
والوجه الثاني: أنه يريد بامتثله احتذاه وتقبله واتبعه، والأصل فيه امتثال الامر في القول، فنقل إلى احتذاء الترتيب العقلي، فيكون التقدير أنه لم يمثل له فاعل آخر قبله مثالا اتبعه واحتذاه وفعل نظيره، كما يفعل التلميذ في الصباغة والنجارة شيئا قد مثل له أستاذه صورته وهيئته.
واعلم أن هذا أحد الأسئلة التي يذكرها أصحابنا في باب كونه عالما، لأنهم لما استدلوا على كونه تعالى عالما بطريق إحكام العلم وإتقانه، سألوا أنفسهم فقالوا: لم لا يجوز أن يكون القديم سبحانه أحدث العالم محتذيا لمثال مثله، وهيئة اقتضاها، والمحتذي لا يجب كونه عالما بما يفعله، ألا ترى أن من لا يحسن الكتابة قد يحتذى خطا مخصوصا، فيكتب قريبا منه، وكذلك من يطبع الشمع بالخاتم ثم يطبع فيه مثال الخاتم، فهو فعل الطابع، ولا يجب كونه عالما.
وأجاب أصحابنا عن ذلك فقالوا: إن أول فعل محكم وقع منه، ثم احتذى عليه يكفي في ثبوت كونه عالما، وأيضا فإن المحتذي ليست العالمية بمسلوبة عنه، بل موصوف بها،