وقد روى عن ابن عباس أنه تأول آية، فقال قائل من الصحابة: (وما يعلم تأويله إلا الله)، فقال ابن عباس: (والراسخون في العلم)، وأنا من جملة الراسخين.
ثم نعود إلى تفسير كلام أمير المؤمنين عليه السلام فنقول:
إنه غضب وتغير وجهه لقول السائل: صف لنا ربنا مثل ما نراه عيانا، وإذا هذا المعنى ينصرف وصية له بما أوصاه به من اتباع ما جاء في القرآن والسنة، وذلك لان العلم الحاصل من رؤية الشئ عيانا، علم لا يمكن أن يتعلق مثله بالله سبحانه، لان ذاته تعالى لا يمكن أن تعلم من حيث هي هي، كما تعلم المحسوسات، ألا ترى أنا إذا علمنا أنه صانع العالم، وأنه قادر عالم حي سميع بصير مريد، وأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، وعلمنا جميع الأمور السلبية والإيجابية المتعلقة به، فإنما علمنا سلوبا وإضافات، ولا شك أن ماهية الموصوف مغايرة لماهية الصفات، والذوات المحسوسة بخلاف ذلك، لأنا إذا رأينا السواد، فقد علمنا نفس حقيقة السواد لا صفة من صفات السواد، وأيضا فإنا لو قدرنا أن العلم بوجوده وصفاته السلبية والإيجابية، يستلزم العلم بذاته، من حيث هي هي لم يكن عالما بذاته علما جزئيا، لأنه يمكن أن يصدق هذا العلم على كثيرين، على سبيل البدل، وإذا ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل البدل، ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل الجمع، والعلم بالمحسوس يستحيل أن يصدق على كثيرين لا على سبيل الجمع، ولا على سبيل البدل، فقد بان أنه يستحيل أن يعلم الله تعالى كما يعلم الشئ المرئي عيانا، فأمير المؤمنين عليه السلام أنكر هذا السؤال كما أنكره الله.
تعالى على بني إسرائيل لما طلبوا الرؤية، قال تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة.