ارتجالا في مسماها الذي عبر عنه بها أرباب النظر الإلهي، كما استعملوا لفظ الجوهر والعرض وغيرهما في غير ما كان أهل العربية واللغة يستعملونها فيه.
وأما منعهم إضافتها إليه تعالى، وأنه لا يقال: (ذاته)، لان الشئ لا يضاف إلى نفسه فباطل بقولهم: أخذته نفسه وأخذته عينه، فإنه بالاتفاق جائز، وفيه إضافة الشئ إلى نفسه.
ثم نعود إلى التفسير:
قوله عليه السلام: ردعها، أي كفها. وتجوب، أي تقطع، والمهاوي: المهالك، الواحدة مهواة بالفتح، وهي ما بين جبلين أو حائطين ونحو ذلك. والسدف: جمع سدفة، وهي القطعة من الليل المظلم. وجبهت، أي ردت، وأصله من جبهته، أي صككت جبهته. والجور: العدول عن الطريق. والاعتساف: قطع المسافة على غير جادة معلومة.
وخلاصة هذا الفصل أن العقول إذا حاولت أن تدرك متى ينقطع اقتداره على المقدرات نكصت عن ذلك، لأنه قادر أبدا دائما على ما لا يتناهى، وإذا حاول الفكر الذي قد صفا وخلا عن الوساوس والعوائق أن يدرك مغيبات علمه تعالى كل وحسر ورجع ناقصا أيضا، وإذا اشتد عشق النفوس له، وتولهت نحوه لتسلك مسلكا تقف منه على كيفية صفاته عجزت عن ذلك، وإذا تغلغلت العقول، وغمضت مداخلها في دقائق العلوم النظرية الإلهية التي لا توصف لدقتها طالبة أن تعلم حقيقة ذاته تعالى، انقطعت وأعيت وردها سبحانه وتعالى وهي تجول وتقطع ظلمات الغيب، لتخلص إليه فارتدت حيث جبهها وردعها، مقرة معترفة بأن إدراكه ومعرفته لا تنال باعتساف المسافات التي بينها وبينه، وإن أرباب الأفكار والرويات يتعذر عليهم أن يخطر لهم خاطر يطابق ما في الخارج من تقدير جلال عزته، ولا بد من أخذ هذا القيد في الكلام، لان أرباب الانظار لا بد أن تخطر لهم