ثم قال للسائل بعد غضبه واستحالة لونه وظهور أثر الانكار عليه: ما دلك القرآن عليه من صفته فخذ به، فإن لم تجده في الكتاب، فاطلبه من السنة ومن مذاهب أئمة الحق، فإن لم تجد ذلك، فاعلم أن الشيطان حينئذ قد كلفك علم ما لم يكلفك الله علمه، وهذا حق، لان الكتاب والسنة قد نطقا بصفات الله من كونه عالما قادرا حيا مريدا سميعا بصيرا، ونطقا أيضا بتنزيهه عن سمات الحدوث كالجسمية والحلول والجهة، وما استلزم الجهة كالرؤية فلا إنكار على من طلب في مدارك العقول وجوها تعضد ما جاء به القرآن والسنة، وتوفق بين بعض الآيات وبعض، وتحمل أحد اللفظين على الاخر إذا تناقضا في الظاهر، صيانة لكلام الحكيم عن التهافت والتعارض. وأما ما لم يأت الكتاب والسنة فيه بشئ فهو الذي حرم وحظر على المكلفين الفكر فيه، كالكلام في الماهية التي يذهب ضرار المتكلم إليها، وكإثبات صفات زائدة على الصفات المعقولة لذات الباري سبحانه، وهي على قسمين:
أحدهما: ما لم يرد فيه نص، كإثبات طائفة تعرف أحدهما: ما لم يرد فيه نص، كإثبات طائفة تعرف بالماتريدية صفة سموها التكوين زائدة على القدرة والإرادة.
والثاني: ما ورد فيه لفظ فأخطأ بعض أهل النظر، فأثبت لأجل ذلك اللفظة صفة غير معقولة للباري سبحانه، نحو قول الأشعريين: إن اليدين صفة من صفات الله، والاستواء على العرش صفة من صفات الله، وإن وجه الله صفة من صفاته أيضا، ثم قال: إن الراسخين في العلم الذين غنوا بالاقرار بما عرفوه عن الولوج والتقحم فيما لم يعرفوه، وهؤلاء هم أصحابنا المعتزلة لا شبهة في ذلك، إلا ترى أنهم يعللون أفعال الله تعالى بالحكم والمصالح، فإذا ضاق عليهم الامر في تفصيل بعض المصالح في بعض المواضع، قالوا: نعلم على الجملة أن لهذا وجه حكمة ومصلحة، وإن كنا لا نعرف تفصيل تلك المصلحة، كما يقولون في تكليف من يعلم الله تعالى منه أنه يكفر، وكما يقولون في اختصاص الحال التي حدث فيها العالم بحدوثه دون ما قبلها وما بعدها.