الخواطر في تقدير جلال عزته، ولكن تلك الخواطر لا تكون مطابقة لها في الخارج، لأنها خواطر مستندها الوهم لا العقل الصريح، وذلك لان الوهم قد ألف الحسيات والمحسوسات، فهو يعقل خواطر بحسب ما ألفه من ذلك، وجلال واجب الوجود أعلى وأعظم من أن يتطرق الوهم نحوه، لأنه برئ من المحسوسات سبحانه، وأما العقل الصريح فلا يدرك خصوصية ذاته لما تقدم.
واعلم أن قوله تعالى: ﴿فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير﴾ (١) فيه إشارة إلى هذا المعنى، وكذلك قوله: ﴿يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه﴾ (2).
* * * الأصل:
الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه، من خالق معبود كان قبله، وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، فظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له، ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا، فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة.