وهي الحالة العجيبة، أبدأ الرجل إذا جاء بالامر البدئ، أي المعجب، والبدية أيضا: الحالة المبتدأة المبتكرة، ومنه قولهم: فعله بادئ ذي بدئ على وزن (فعيل)، أي أول كل شئ.
ويمكن أن يحمل كلامه أيضا على هذا الوجه.
وأما خلائق، فيجوز أن يكون أضاف (بدايا) إليها، ويجوز ألا يكون أضافه إليها بل جعلها (١) بدلا من (أجناسا). ويروى (برايا) جمع برية. يقول عليه السلام: إنه تعالى قدر الأشياء التي خلقها، فخلقها محكمة على حسب ما قدر. وألطف تدبيرها، أي جعله لطيفا، وأمضى الأمور إلى غاياتها وحدودها المقدرة لها، فهيأ الصقرة للاصطياد، والخيل للركوب والطراد، والسيف للقطع، والقلم للكتابة، والفلك للدوران ونحو ذلك، وفى هذا إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وآله: (كل ميسر لما خلق له)، فلم تتعد هذه المخلوقات حدود منزلتها التي جعلت غايتها، ولا قصرت دون الانتهاء إليها، يقول: لم تقف على الغاية ولا تجاوزتها. ثم قال: ولا استصعبت وامتنعت إذا أمرها بالمضي إلى تلك الغاية بمقتضى الإرادة الإلهية، وهذا كله من باب المجاز، كقوله تعالى: ﴿فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ (2).
وخلاصة ذلك الإبانة عن نفوذ إرادته ومشيئته.
ثم علل نفى الاستصعاب فقال: وكيف يستصعب، وإنما صدرت عن مشيئته! يقول:
إذا كانت مشيئته هي المقتضية لوجود هذه المخلوقات، فكيف يستصعب عليه بلوغها إلى غاياتها التي جعلت لأجلها! وأصل وجودها إنما هو مشيئته، فإذا كان أصل وجودها بمشيئته، فكيف يستصعب عليه توجيهها لوجهتها، وهو فرع من فروع وجودها وتابع له.