فإن قلت: إذا لم يكن قبل الأشياء بالزمان ولا بعدها بالزمان، فهو معها بالزمان، لأنه لا يبقى بعد نفى القبلية والبعدية إلا المعية!
قلت: إنما يلزم ذلك فيما وجوده زماني، وأما ما ليس زمانيا لا يلزم من نفى القبلية والبعدية إثبات المعية، كما أنه ما لم يكن وجوده مكانيا لم يلزم من نفى كونه فوق العالم أو تحت العالم بالمكان، أن يكون مع العالم بالمكان.
ثم قال: (الرادع أناسي الابصار عن أن تناله أو تدركه)، الأناسي: جمع إنسان، وهو المثال الذي يرى في السواد، وهذا اللفظ بظاهره يشعر بمذهب الأشعرية وهو قولهم:
إن الله تعالى خلق في الابصار مانعا عن إدراكه، إلا أن الأدلة العقلية من جانبنا اقتضت تأويل هذا اللفظ، كما تأول شيوخنا قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة﴾ (١)، فقالوا: إلى جنة ربها، فنقول: تقديره الرادع أناسي الابصار أن تنال أنوار جلالته!
فإن قلت: أتثبتون له تعالى أنوارا يمكن أن تدركها الابصار، وهل هذا إلا قول بالتجسيم.
قلت: كلا لا تجسيم في ذلك، فكما أن له عرشا وكرسيا وليس بجسم، فكذلك أنوار عظيمة فوق العرش، وليس بجسم، فكيف تنكر الأنوار، وقد نطق الكتاب العزيز بها في غير موضع، كقوله: ﴿وأشرقت الأرض بنور ربها﴾ (2)، وكقوله: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح).
* * *