قال: وأعلم أن الكناية تشتمل على اللفظ المفرد، واللفظ المركب، فتأتي على هذا مرة، وعلى هذا أخرى، وأما التعريض فإنه يختص باللفظ المركب، ولا يأتي في اللفظ المفرد البتة، لأنه لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة، ولا من جهة المجاز، بل من جهة التلويح والإشارة، وهذا أمر لا يستقل به اللفظ المفرد، ويحتاج في الدلالة عليه إلى اللفظ المركب.
قال: فقد ظهر فيما قلنا في البيت الذي ذكره ابن سنان مثال الكناية، ومثال التعريض هو بيت امرئ (1) القيس، لان غرض الشاعر منه أن يذكر الجماع، إلا أنه لم يذكره بل ذكر كلاما آخر، ففهم الجماع من عرضه، لان المصير إلى الحسنى ورقة الكلام لا يدلان على الجماع، لا حقيقة ولا مجازا.
ثم ذكر أن من باب الكناية قوله سبحانه: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار...) (2) الآية. قال: كنى بالماء عن العلم، وبالأودية عن القلوب، وبالزبد عن الضلال.
قال: وقد تحقق ما اخترعناه وقدرناه من هذه الآية، لأنه يجوز حملها على جانب الحقيقة، كما يجوز حملها على جانب المجاز.
قال: وقد أخطأ الفراء حيث زعم أن قوله سبحانه وتعالى: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) (3) كناية عن أمر النبي صلى الله عليه وآله، وأنه كنى عنه بالجبال.
قال: ووجه الخطأ أنه لا يجوز أن يتجاذب اللفظ هاهنا جانبا الحقيقة والمجاز، لان مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال الحقيقية، فالآية إذا من باب المجاز لا من باب الكناية.