وذلك اللفظ الدال على المجاز، إما أن يكون للحقيقة شركة في الدلالة عليه أو لا يكون لها شركه في الدلالة عليه، كأن اللفظ الواحد قد دل على ثلاثة أشياء: أحدها الحقيقة، والآخران المجازان.
وهذا مخالف لأصل الوضع، لان أصل الوضع أن تتكلم بشئ وأنت تريد غيره، وهاهنا يكون قد تكلمت بشئ وأنت تريد شيئين غيرين، وإن لم يكن للحقيقة شركة في الدلالة كان ذلك مخالفا لأصل الوضع أيضا، إذ أصل الوضع أن تتكلم بشئ وأنت تريد غيره، فيكون الذي تكلمت به دالا على غيره، وإذا أخرجت الحقيقة عن أن يكون لها شركة في الدلالة، لم يكن الذي تكلمت به، وهذا محال، فثبت إذن أن الكناية هي أن تتكلم بالحقيقة وأنت تريد المجاز.
قال: وهذا مما لم يسبقني إليه أحد.
ثم قال: قد يأتي من الكلام ما يجوز أن يكون كناية، ويجوز أن يكون استعارة، ويختلف ذلك باختلاف النظر إليه بمفرده والنظر إلى ما بعده. كقول نصر بن سيار [في أبياته المشهورة التي يحرض بها على بنى أمية عند خروج أبى مسلم] (1):
أرى خلل الرماد وميض جمر * ويوشك أن يكون له ضرام (2) فإن النار بالزندين تورى * وإن الحرب أولها كلام (3)