وكتب إلى المهلب: إن أمير المؤمنين أوصاني بما أوصى به البكري زيدا، وأنا أوصيك بذلك، وبما أوصى به الحارث بن كعب بنيه.
فنظر المهلب في وصية الحارث بن كعب، فإذا فيها: يا بنى كونوا جميعا، ولا تكونوا شيعا فتفرقوا، وبزوا قبل أن تبزوا. الموت في قوة وعز، خير من الحياة في ذل وعجز.
فقال المهلب: صدق البكري وأصاب، وصدق الحارث وأصاب.
واعلم أن كثيرا مما ذكرناه داخل في باب التعريض، وخارج عن باب الكناية، وإنما ذكرناه لمشابهة الكناية وكونهما كالنوعين تحت جنس عام، وسنذكر كلاما كليا فيهما إذا انتهينا إلى آخر الفصل إن شاء الله.
ومن الكنايات قول أبى نواس:
وناظرة إلى من النقاب * تلاحظني بطرف مستراب (1) كشفت قناعها فإذا عجوز * مموهة المفارق بالخضاب فما زالت تجشمني طويلا * وتأخذ في أحاديث التصابي تحاول أن يقوم أبو زياد * ودون قيامه شيب الغراب أتت بجرابها تكتال فيه * فقامت وهي فارغة الجراب والكناية في البيت الأخير وهي ظاهرة.
ومنها قول أبى تمام:
ما لي رأيت ترابكم بئس الثرى * ما لي أرى أطوادكم تتهدم (2)