أمير المؤمنين عبد الملك قال: إن الحجاج جلدة ما بين عيني وأنفى، ألا وإني أقول:
إن الحجاج جلدة وجهي كله) (1).
وعلى ذكر هذا البيت حكى أن رجلا كان يسقى جلساءه شرابا صرفا غير ممزوج، وكان يحتاج إلى المزج لقوته، فجعل يغنى لهم:
يديرونني عن سالم وأديرهم * وجلدة بين العين والأنف سالم (2) فقال له واحد منهم: يا أبا فلان، لو نقلت (ما) من غنائك إلى شرابك، لصلح غناؤنا ونبيذنا جميعا (3).
ويشبه حكاية قتيبة والحجاج كتاب عبد الملك إلى الحجاج، جوابا عن كتاب كتبه إليه يغلظ فيه أمر الخوارج، ويذكر فيه حال قطري وغيره، وشدة شوكتهم، فكتب إليه عبد الملك: (أوصيك بما أوصى به البكري زيدا، والسلام).
فلم يفهم الحجاج ما أراد عبد الملك، فاستعلم ذلك من كثير من العلماء بأخبار العرب، فلم يعلموه، فقال: من جاءني بتفسيره فله عشره آلاف درهم، وورد رجل من أهل الحجاز يتظلم من بعض العمال، فقال له قائل: أتعلم ما أوصى به البكري زيدا؟ قال: نعم أعلمه، فقيل له: فأت الأمير، فأخبره ولك عشره آلاف درهم، فدخل عليه فسأله، فقال:
نعم أيها الأمير، إنه يعنى قوله:
أقول لزيد لا تترتر فإنهم * يرون المنايا دون قتلك أو قتلى (4) فإن وضعوا حربا فضعها، وإن أبوا * فعرضة نار الحرب مثلك أو مثلي وإن رفعوا الحرب العوان التي ترى * فشب وقود النار بالحطب الجزل فقال الحجاج: أصاب أمير المؤمنين فيما أوصاني، وأصاب البكري فيما أوصى به زيدا، وأصبت أيها الاعرابي، ودفع إليه الدراهم.