إلا اخترت أعسرهما وأنكدهما. اللهم إن تعافينا أحب إلى من أن تبتلينا، اللهم أعط كل رجل منا ما سألك.
فتقدم جندب بن زهير، فبارز أزديا من أزد الشام، فقتله الشامي (1).
قال نصر: وحدثنا عمرو، عن الحارث بن حصين، عن أشياخ الحي أن عتبة بن جويرة (2) قال يوم صفين لأهله وأصحابه: ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما، وأصبح شجرها حصيدا، وجديدها سملا، وحلوها مرا. ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق، أنى قد سئمت الدنيا، وعزفت نفسي عنها، ولقد كنت أتمنى الشهادة، وأتعرض لها في كل حين، فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم، ألا وإني متعرض ساعتي هذه لها، وقد طمعت ألا أحرمها، فما تنظرون عباد الله من جهاد أعداء الله؟ أخوف الموت القادم عليكم، الذاهب بنفوسكم!
أو من ضربة كف أو جبين بالسيف! أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار! ما هذا بالرأي السديد.
ثم قال: يا إخوتاه، إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها، وهذا وجهي إليها، لا يبرح الله وجوهكم، ولا يقطع أرحامكم.
فتبعه أخواه عبد الله وعوف، فقالا: لا نطلب ورق (3) العيش دونك، قبح الله الدنيا بعدك! اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك.
فاستقدموا جميعا، وقاتلوا حتى قتلوا (4).