ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة ودعا بالديوان، فضرب على الناس البعث، وزادهم في العطاء عشرة عشرة، واستعمل على الجيش عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فخرجوا، فلقيتهم جزر منحورة، فتشاءم الناس بها، فلما كانوا بالعقيق (1) علق لواء عبد العزيز بسمرة (2) فانكسر الرمح، فتشاءموا بذلك أيضا.
ثم ساروا حتى نزلوا قديدا، فنزل بها قوم معتزلون، ليسوا بأصحاب حرب، وأكثرهم تجار أغمار، قد خرجوا في المصبغات والثياب الناعمة واللهو، لا يظنون أن للخوارج شوكة، ولا يشكون في أنهم في أيديهم.
وقال رجل منهم من قريش: لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء، ولكنهم داهنوا في دين الله، والله لنظفرن ولنسيرن إلى أهل الطائف فلنسبينهم. ثم قال: من يشترى منى من سبى أهل الطائف؟
قال أبو الفرج: فكان هذا الرجل أول المنهزمين، فلما وصل المدينة، ودخل داره، أراد أن يقول لجاريته: أغلقي الباب، قال لها: ((غاق ناق) دهشا، فلقبه أهل المدينة بعد ذلك (غاق ناق)، ولم تفهم الجارية قوله، حتى أومأ إليها بيده، فأغلقت الباب.
قال: وكان عبد العزيز يعرض الجيش بذي الحليفة (3)، فمر به أمية بن عتبة بن سعيد ابن العاص، فرحب به وضحك إليه، ثم مر به عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير فلم يكلمه، ولم يلتفت إليه، فقال له عمران بن عبد الله بن مطيع، وكان ابن خالته، أمهما ابنتا عبد الله بن خالد بن أسيد: سبحان الله! مر بك شيخ من شيوخ قريش، فلم تنظر