وسلم يقول: (إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فأخرج عنها)، فلذلك خرجت، فقال: فأي البلاد أحب إليك بعد الشام؟ قال: الربذة، فقال: صر إليها.
قال: وإذا تكافأت الاخبار لم يكن لهم في ذلك حجة، ولو ثبت ذلك لكان لا يمتنع أن يخرجه إلى الربذة لصلاح يرجع إلى الدين، فلا يكون ظلما لأبي ذر، بل يكون إشفاقا عليه، وخوفا من أن يناله من بعض أهل المدينة مكروه، فقد روى أنه كان يغلظ في القول ويخشن الكلام، فيقول: لم يبق أصحاب محمد على ما عهد، وينغر (1) بهذا القول، فرأى إخراجه أصلح لما يرجع إليه وإليهم وإلى الدين، وقد روى أن عمر أخرج عن المدينة نصر بن الحجاج لما خاف ناحيته، وقد ندب الله سبحانه إلى خفض الجناح للمؤمنين، وإلى القول اللين للكافرين، وبين للرسول صلى الله عليه وسلم أنه لو استعمل الفظاظة لانفضوا من حوله، فلما رأى عثمان من خشونة كلام أبي ذر، وما كان يورده مما يخشى منه التنغير فعل ما فعل.
قال: وقد روى عن زيد بن وهب، قال: قلت لأبي ذر رحمه الله تعالى، وهو بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: أخبرك، إني كنت بالشام في أيام معاوية، وقد ذكرت هذه الآية: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (2)، فقال معاوية: هذه في أهل الكتاب، فقلت: هي فيهم وفينا، فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك، فكتب إلى أن أقدم على، فقدمت عليه، فانثال الناس إلى كأنهم لم يعرفوني، فشكوت ذلك إلى عثمان، فخيرني وقال:
انزل حيث شئت، فنزلت الربذة.