كالإنكار لطلوع الشمس ظهورا وانتشارا، وكل من قرأ الاخبار، وتصفح السير يعلم من هذا الامر ما لا تثنيه عنه مكابرة ولا مدافعة، وهذا الفعل - أعني ضرب عمار - لم تختلف الرواة فيه، وإنما اختلفوا في سببه، فروى عباس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف، في إسناده أنه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلموه فيه بكل كلام شديد، حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ، وإن رغمت به أنوف أقوام! فقال له علي عليه السلام: إذن تمنع من ذلك، ويحال بينك وبينه، فقال عمار: أشهد الله أن أنفى أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعلى يا بن ياسر تجترئ! خذوه، فأخذ، ودخل عثمان، فدعا به فضربه حتى غشى عليه، ثم أخرج فحمل حتى أتى به منزل أم سلمة رضى الله تعالى عنها، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى، وقال: الحمد لله، ليس هذا أول يوم أوذينا في الله تعالى! فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي - وكان عمار حليفا لبني مخزوم -:
يا عثمان، أما على فاتقيته، وأما نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا حتى أشفيت به (1) على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بنى أمية عظيم الشأن! فقال عثمان:
وإنك لها هنا يا بن القسرية، قال: فإنهما قسريتان - وكانت أم هشام وجدته قسريتين (2) من بجيلة - فشتمه عثمان، وأمر به فأخرج، فأتى به أم سلمة رضى الله تعالى عنها، فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة رضى الله تعالى عنها ما صنع بعمار، فغضبت أيضا، وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله، ونعلا من نعاله، وثوبا من ثيابه، وقالت:
ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد!