لان تلك البشارة لا تبلغ إلى أن يستحق البشير بها مائتي ألف درهم، ولا اجتهاد في مثل هذا، ولا فرق بين من جوز أن يؤدى الاجتهاد إلى مثله ومن جوز أن يؤدى الاجتهاد إلى دفع أصل الغنيمة إلى البشير بها، ومن ارتكب ذلك ألزم جواز أن يؤدى الاجتهاد إلى إعطاء هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق والغرب.
فأما قوله: إنه وصل بنى عمه لحاجتهم، ورأي في ذلك صلاحا، فقد بينا أن صلاته لهم كانت أكثر مما تقتضيه الخلة والحاجة، وأنه كان يصل فيهم المياسير. ثم الصلاح الذي زعم أنه رآه: لا يخلو إما أن يكون عائدا على المسلمين، أو على أقاربه، فإن كان على المسلمين فمعلوم ضرورة أنه لا صلاح لأحد من المسلمين في إعطاء مروان مائتي ألف دينار، والحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وابن أسيد ثلاثمائة ألف درهم، إلى غير ما ذكرنا، بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر. وإن أراد الصلاح الراجع إلى الأقارب فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين، وينفعهم بما يضر به المسلمين.
وأما قوله: إن القطائع التي أقطعها بنى أمية، إنما أقطعهم إياها لمصلحة تعود على المسلمين، لان تلك الضياع كانت خرابا لا عامر لها، فسلمها إلى من يعمرها ويؤدى الحق عنه، فأول ما فيه أنه لو كان الامر على ما ذكره، ولم تكن هذه القطائع على سبيل الصلة والمعونة لأقاربه لما خفى ذلك على الحاضرين، ولكانوا لا يعدون ذلك من مثالبه، ولا يواقفونه عليه في جملة ما واقفوه عليه من إحداثه. ثم كان يجب لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه، بخلاف ما روى من جوابه لأنه كان يجب أن يقول لهم: وأي منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتى تعدوا ذلك من جملة صلاتي لهم، وإيصالي المنافع إليهم!
وإنما جعلتهم فيها بمنزلة الأكرة الذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم أنفسهم، وما كان