قد تكلم في رده مرة بعد أخرى، ولوال بعد وال، وهذه كلها أسباب التهمة، فقد كان يجب أن يتجنب الحكم بعلمه في هذا الباب خاصة، لتطرق التهمة إليه.
فأما ما حكاه عن أبي الحسين الخياط من أن الرسول صلى الله عليه وآله لو لم يأذن في رده لجاز أن يرده إذا أداه اجتهاده إلى ذلك، لان الأحوال قد تتغير - فظاهر البطلان، لان الرسول عليه السلام إذا حظر شيئا أو أباحه لم يكن لأحد أن يجتهد في إباحة المحظور أو حظر المباح، ومن يجوز الاجتهاد في الشريعة يقدم على مثل هذا، لأنه إنما يجوز عندهم فيما لا نص فيه. ولو سوغنا الاجتهاد في مخالفة ما تناوله النص لم يؤمن أن يؤدى اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر وإسقاط الصلاة، بأن تتغير الحال، وهذا هدم للشريعة. فأما الاستشهاد باسترداد عمر من جيش أسامة فالكلام في الامرين واحد (1).
* * * الطعن الثالث:
أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عدة المسلمين، نحو ما روى أنه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار، وأعطى مروان مائة ألف عند فتح إفريقية، ويروى خمس إفريقية، وغير ذلك، وهذا بخلاف سيرة من تقدمه في القسمة على الناس بقدر الاستحقاق، وإيثار الأباعد على الأقارب.
قال قاضى القضاة: وجوابنا عن ذلك أن من الظاهر المشهور أن عثمان كان عظيم اليسار، كثير المال، فلا يمتنع أن يكون إنما أعطى أهل بيته من ماله، وإذا احتمل ذلك وجب حمله على الصحة.
وقد قال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى: إن الذي روى من دفعه إلى ثلاثة نفر من قريش زوجهم بناته، إلى كل واحد منهم مائة ألف دينار، إنما هو من ماله، ولا رواية