ومعنى قوله: (على أوليائه)، أي على من عنده استعداد للجهل، وتمرن على اتباع الهوى، وزهد في تحقيق الأمور العقلية على وجهها، تقليدا للأسلاف، ومحبة لاتباع المذهب المألوف، فذاك هو الذي يستولي عليه الشيطان ويضله، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى، وهم الذين يتبعون محض العقل، ولا يركنون إلى التقليد، ويسلكون مسلك التحقيق، وينظرون النظر الدقيق (1)، يجتهدون في البحث عن مقدمات أنظارهم، وليس في هذا الكلام تصريح بالجبر، ولا إشعار به على وجه من الوجوه، وهذا واضح.
وحمل الراوندي قوله عليه السلام: (فلو أن الباطل خلص...) إلى آخره، على أن المراد به نفى القياس في الشرع، قال: لان القائسين يحملون المسكوت عنه على المنطوق، فيمتزج المجهول بالمعلوم، فيلتبس ويظن لامتزاج بعضه ببعض حقا، وهذا غير مستقيم، لان لفظ الخطبة أن الحق يمتزج بالباطل، وأصحاب القياس لا يسلمون أن استخراج العلة من الحكم المعلوم باطل، بل يقولون إنه حق، وإن الدليل الدال على ورود العبارة بالقياس، قد أمنهم من كونه باطلا.
* * * واعلم أن هذا الكلام الذي قاله عليه السلام حق إذا تأملته، وإن لم تفسره على ما قدمناه من التفسير، فإن الذين ضلوا من مقلدة اليهود والنصارى وأرباب المقالات الفاسدة من أهل الملة الاسلامية وغيرها، إنما ضل أكثرهم بتقليد الأسلاف، ومن يحسن الظن فيه من الرؤساء وأرباب المذاهب، وإنما قلدهم الاتباع، لما شاهدوا من إصلاح ظواهرهم، ورفضهم الدنيا وزهدهم فيها، وإقبالهم على العبادة، وتمسكهم بالدين، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وشدتهم في ذات الله، وجهادهم في سبيله، وقوتهم في