وقرت أذنه، بفتح الواو وكسر القاف توقر وقرا أي صمت، والمصدر في هذا الموضع جاء بالسكون، وهو شاذ، وقياسه التحريك بالفتح، نحو ورم ورما. والواعية: الصارخة، من الوعاء، وهو الجلبة والأصوات، والمراد العبر والمواعظ.
قوله: " كيف يراعى النبأة "، هذا مثل آخر، يقول: كيف يلاحظ ويراعى العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجلية الظاهرة، بل فسد عندها، وشبه ذلك بمن أصمته الصيحة القوية، فإنه محال أن يراعى بعد ذلك الصوت الضعيف. والنبأة: هي الصوت الخفي.
فإن قيل: هذا يخالف قولكم: إن الاستفساد لا يجوز على الحكيم سبحانه، فإن كلامه عليه السلام صريح في أن بعض المكلفين يفسد عند العبر والمواعظ.
قيل: إن لفظة " أفعل " قد تأتى لوجود الشئ على صفة، نحو أحمدته، إذا أصبته محمودا. وقالوا: أحييت الأرض، إذا وجدتها حية النبات (1)، فقوله: " أصمته الصيحة "، ليس معناه أن الصيحة كانت علة لصممه، بل بمعناه صادفته أصم، وبهذا تأول أصحابنا قوله تعالى: (وأضله الله على علم) (2).
قوله: " ربط جنان لم يفارقه الخفقان "، هذا مثل آخر، وهو دعاء لقلب لا يزال خائفا من الله يخفق بالثبوت والاستمساك.
قوله: " ما زلت أنتظر بكم "، يقول: كنت مترقبا غدركم متفرسا فيكم الغرر، وهو الغفلة.
وقيل: إن هذه الخطبة خطبها بعد مقتل طلحة والزبير، مخاطبا بها، لهما ولغيرهما من أمثالهما، كما قال النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر، بعد قتل من قتل من قريش: " يا عتبة بن ربيعة،