وأدار اختياره على ثلاثة أقطاب: أولها الخطب والأوامر، وثانيها الكتب والرسائل، وثالثها الحكم والمواعظ، وأسماه كتاب " نهج البلاغة " " إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها، ويقرب عليه طلابها، فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد " (1).
ومنذ أن صدر هذا الكتاب عن جامعة سار في الناس ذكره، وتألق نجمه، أشام وأعرق، وأنجد وأتهم، وأعجب به الناس حيث كان، وتدارسوه في كل مكان.
لما اشتمل عليه من اللفظ المنتقى، والمعنى المشرق، وما احتواه من جوامع الكلم، ونوابغ الحكم، في أسلوب متساوق الأغراض، محكم السبك، يعد في الذروة العليا من النثر العربي الرائع.
* * * ولم يذكر الشريف الرضي في صدر كتابه المصادر التي رجع إليها، أو الشيوخ الذين نقل عنهم، إلا أنه - كما يبدو من تضاعيف الكتاب - نقل في بعض ما نقل عن كتاب البيان والتبيين للجاحظ، والتبيين للجاحظ، والمقتضب للمبرد، وكتاب المغازي لسعيد بن يحيى الأموي، وكتاب الجمل للواقدي، والمقامات في مناقب أمير المؤمنين لأبي جعفر الإسكافي، وتاريخ ابن جريج الطبري، وحكاية أبي جعفر محمد بن علي الباقر، ورواية اليماني عن أحمد ابن قتيبة، وما وجد بخط هشام بن الكلبي وخبر ضرار بن حمزة الصدائي، ورواية جحيفة، وحكاية ثعلب عن أبي الاعرابي (2)، ولعله في غير ما نقل عن هؤلاء، نقل من مصادر أخرى لم يصرح بها.
* * * وعلى مر العصور والأزمان كانت نسبة ما في كتاب نهج البلاغة إلى الامام على مثارا للشك عند العلماء والباحثين، المتقدمين والمتأخرين.