وصممت، فغض حينئذ بصرك واحمل، وكن كالعشواء التي تخبط ما أمامها ولا تبالي.
وقوله: " عض على ناجذك "، قالوا: إن العاض على نواجذه ينبو السيف عن دماغه، لان عظام الرأس تشتد وتصلب، وقد جاء في كلامه عليه السلام هذا مشروحا في موضع آخر، وهو قوله: " وعضوا على النواجذ، فإنه أنبى للصوارم عن الهام ". ويحتمل أن يريد به شدة الحنق. قالوا: فلان يحرق على الأرم، يريدون شدة الغيظ، والحرق: صريف الأسنان وصوتها، والارم: الأضراس.
وقوله: " أعر الله جمجمتك "، معناه ابذلها في طاعة الله، ويمكن أن يقال: إن ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب، لان العارية مردودة، ولو قال له: بع الله جمجمتك، لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها.
وأخذ يزيد بن المهلب هذه اللفظة فخطب أصحابه بواسط، فقال: إني قد أسمع قول الرعاع: جاء مسلمة، وجاء العباس (1)، وجاء أهل الشام، ومن أهل الشام! والله ما هم إلا تسعة أسياف، سبعة منها معي، واثنان على، وأما مسلمة فجرادة صفراء، وأما العباس فنسطوس ابن نسطوس، أتاكم في برابرة وصقالبة وجرامقة وأقباط وأخلاط، إنما أقبل إليكم الفلاحون وأوباش كأشلاء اللحم. والله ما لقوا قط كحديدكم وعديدكم، أعيروني سواعدكم ساعة تصفقون بها خراطيمهم، فإنما هي غدوة أو روحة، حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين.
من صفات الشجاع قولهم: فلان مغامر، وفلان غشمشم، أي لا يبصر ما بين يديه في الحرب، وذلك لشدة تقحمه وركوبه المهلكة، وقلة نظره في العاقبة، وهذا هو معنى قوله عليه السلام لمحمد: " غض بصرك ".