من قبله ": كان من ألطاف الأنبياء المتقدمين وأوصيائهم، أن يعرفوا الأنبياء المتأخرين وأوصياءهم، فعرفهم الله تعالى ذلك، وكان من اللطف بالمتأخرين وأوصيائهم أن يعرفوا أحوال المتقدمين من الأنبياء والأوصياء، فعرفهم الله تعالى ذلك أيضا، فتم اللطف لجميعهم.
ولقائل أن يقول: لو كان عليه السلام: " قال أو غابر عرف من قبله " لكان هذا التفسير مطابقا، ولكنه عليه السلام لم يقل ذلك، وإنما قال: " عرفه من قبله " وليس هذا التفسير مطابقا لقوله: " عرفه ". والصحيح أن المراد به: من نبي سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء أي عرفه الله تعالى ذلك، أو نبي غابر نص عليه من قبله، وبشر به كبشارة الأنبياء بمحمد عليه السلام.
* * * الأصل:
على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه لإنجاز عدته، وإتمام (1) نبوته، مأخوذا على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة وأنقذهم بمكانه من الجهالة.
ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه لقاءه، ورضى له ما عنده، وأكرمه (2) عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوى، فقبضه إليه كريما، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها - إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح،