قال الإمام الحافظ الخطابي قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا وهذا مما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلا عن مسلم فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنعهم بالماء وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار ولا يجوز فيهم مثل هذا الظن ولا يليق بهم وإنما كان ذلك من أجل أن هذا البئر موضعها في حدور من الأرض وأن السيول كانت تكشح ما هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها وتلقيها فيها وكان لكثرته لا يؤثر فيه هذه الأشياء ولا تغيره فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في النجاسة والطهارة (إن الماء طهور لا ينجسه شئ ) قال في التوسط استدل به على عدم تنجسه إلا بالمغير وأجاب الطحاوي بأن بئر بضاعة كانت طريقا إلى البساتين فهو كالنهر وحكاه عن الواقدي وضعف بأن الواقدي مختلف فيه فمكذب له وتارك ومضعف وقيل كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي فإن بئر بضاعة مشهورة في الحجاج بخلاف ما حكي عن الواقدي وما روى ابن أبي شيبة أن زنجيا وقع في بئر زمزم فأمر بنزح الماء ضعفها البيهقي وروي عن سفيان بن عيينة قال أنا بمكة سبعين سنة لم أر أحدا صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي وحديث بئر بضاعة هذا لا يخالف حديث القلتين إذ كان معلوما أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين إذ أحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقصه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا ينسخه ولا يبطله قاله الخطابي (قيم) بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة أي من كان يقوم بأمر البئر ويحافظها (العانة) قال أهل اللغة هي موضع منبت الشعر فوق قبل الرجل والمرأة (فإذا نقص) ماؤها فما يكون مقدار الماء (دون العورة) قال ابن رسلان يشبه أن يكون المراد به عورة الرجل أي دون الركبة لقوله صلى الله عليه وسلم عورة الرجل ما بين سرته وركبته (بردائي) متعلق بقدرت أن (مددته عليها) أي بسطت ردائي على البئر وهذه كيفية تقديرها ولم يسهل تقديرها إلا بهذه الكيفية (ثم ذرعته) أي ردائي بعد مدة (فإذا عرضها) أي بئر بضاعة (ستة أذرع) جمع ذراع وهو من المرفق إلى أطراف
(٩٠)