أما أولا فلأن لزوم المساواة على تقدير المثل ممنوعة فإن المدة بين الظهر والعصر لو كان بمصير ظل كل شئ مثله يكون أزيد بشئ من ذلك الوقت إلى الغروب على ما هو محقق عند الرياضيين إلا أن يقال هذا التفاوت لا يظهر إلا عند الحساب والمقصود من الحديث تفهيم كل أحد وأما ثانيا فلأن المقصود من الحديث مجرد التمثيل ولا يلزم في التمثيل التسوية من كل وجه وأما ثالثا فلأن قلة مدة هذه الأمة إنما هي بالنسبة إلى مدتي مجموع اليهود والنصاري لا بالنسبة إلى كل أحد وهو حاصل على كل تقدير وأما رابعا فلأنه يحتمل أن يراد بنصف النهار في الحديث نصف النهار الشرعي وحينئذ فلا يستقيم الاستدلال وأما خامسا فإنه ليس في الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من الزوال إلى العصر ومن المعلوم أن صلاة العصر لا يتحقق في أول وقته غالبا فالقلة حاصلة على كل تقدير وإنما يتم مرام المستدل إن تم لو كان لفظ الحديث ما بين وقت العصر إلى الغروب وإذ ليس فليس وثانيها أن قول النصاري نحن أكثر عملا لا يستقيم إلا بقلة زمانهم ولن تكون القلة إلا في صورة المثلين وفيه ما مر سابقا وآنفا وثالثها ما نقله العيني أنه جعل لنا النبي صلى الله عليه وسلم من زمان الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى الغروب وهو يدل على أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم يبق من الدنيا ربع الزمان لحديث بعثت أنا الساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى فنسبة ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما بعض مقدار ما بين السبابة والوسطى قال السهيلي وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منها سبع وزيادتها على السبابة نصف سبع انتهى وفيه أيضا ما مر سالفا ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلا التمثيل والتفهيم فالاستدلال لو تم بجميع تقاديره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلا بطريق الإشارة
(٤٢٦)