آخر موطئه على ذلك بحديث القيراط وهو ما رواه من طريق مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط قال فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى إلى قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قال فغضب اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أعطيه من شئت قال محمد بعد إخراجه ما لفظه هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل من تعجيلها ألا ترى أنه جعل ما بين الظهر إلى العصر أكثر مما بين العصر إلى المغرب في هذا الحديث ومن عجل العصر كان ما بين الظهر إلى العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب فهذا يدل على تأخير العصر تأخير العصر أفضل من تعجيلها ما دامت الشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى كلامه قلت هذا الحديث ليس بصريح في استحباب تأخير العصر قال صاحب التعليق الممجد واستنبط أصحابنا الحنفية أمرين أحدهما ما ذكره أبو زيد الدبوسي في كتابه الأسرار وتبعه الزيلعي شارح الكنز وصاحب النهاية شارح الهداية وصاحب البدائع وصاحب مجمع البحرين في شرحه وغيرهم أن وقت الظهر من الزوال إلى صيرورة ظل كل شئ مثليه ووقت العصر منه إلى الغروب كما هو رواية عن إمامنا أبي حنيفة وأفتى به كثير من المتأخرين ووجه الاستدلال به بوجوه كلها لا تخلو عن شئ أحدها أن قوله صلى الله عليه وسلم إنما أجلكم فيما خلاكما بين الصلاة العصر إلى مغرب الشمس يفيد قلة زمان هذه الأمة بالنسبة إلى زمان من خلا وزمان هذه الأمة هو مشبه بما بين العصر إلى المغرب فلا بد أن يكون هذا الزمان قلي من زمان اليهود أي من الصبح إلى الظهر ومن زمان النصارى أي من الظهر إلى العصر ولن تكون القلة بالنسبة إلى زمان النصارى إلا إذا كان ابتداء وقت العصر من حين صيرورة الظل مثليه فإنه حينئذ يريد وقت الظهر أي من الزوال إلى المثلين على وقت العصر من المثلين إلى الغروب وأما إن كان ابتداء العصر حين المثل فيكونان متساويين وفيه ما ذكره في فتح الباري وبستان المحدثين وشرح القاري وغيرها
(٤٢٥)