كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض أجلة الصحابة كابن عباس فإنه قال إن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين فرده أبو هريرة وأفتى بأن عدتها وضع الحمل كذا قيل انتهى قلت كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ أبو هريرة الدوسي اليماني الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع انتهى وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم برك الاسلام وعصابة الايمان وعسكر القرآن وجند الرحمن أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة إلخ فلا شك في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيها من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى فإن قيل قد قال إبراهيم النخعي أيضا إن أبا هريرة لم يكن فقيها والنخعي من فقهاء التابعين قلت قد نقم على إبراهيم النخعي لقوله إن أبا هريرة لم يكن فقيها قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمته وكان لا يحكم العربية ربما لحن ونقموا عليه قوله لم يكن أبو هريرة فقيها انتهى عبرة قال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي في بحث حديث المصراة المروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما قال بعضهم هذا الحديث لا يقبل لأنه يرويه أبو هريرة وابن عمر ولم يكونا فقيهين وإنما كانا صالحين فروايتهما إنما تقبل في المواعظ لا في الأحكام وهذه جرأة على الله واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته وفقد نصرته ومن أفقه من أبي هريرة وابن عمر ومن أحفظ منهما خصوصا من أبي هريرة وقد بسط رداءه وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره فما نسي شيئا أبدا ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم ولقد كنت في جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة فأخبرني به بعض أصحابنا وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يوما وذكر هذا الطعن في أبي هريرة فسقط من السقف حية عظيمة في وسط المسجد فأخذت في سمت المتكلم بالطعن ونفر الناس وارتفعوا وأخذت الحية تحت السواري فلم يدر أين ذهبت فارعوى من بعد ذلك من الترسل في هذا القدح انتهى
(٢٩)