أخذا من حديث البراء وغيره وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وهو مذهب قوي من حيث الدليل قد رجحه النووي وغيره انتهى وأما قول من قال إن المراد من قوله توضؤا منها غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم فهو بعيد لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب وأما قول من قال إن حديث البراء وما في معناه منسوخ فهو أيضا بعيد فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقد ذكر العلامة الموفق ابن قدامة في المغني في هذا البحث كلاما حسنا مفيدا قال إن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا عالما كان أو جاهلا وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء مما يخرج لا مما يدخل وروي عن جابر قال كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود ولنا ما روى البراء بن عازب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل فقال توضؤا منها وسئل عن لحوم الغنم فقال لا يتوضأ منها رواه مسلم وأبو داود وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه مسلم وروى الإمام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضؤا من لحوم الإبل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك قال أحمد وإسحاق بن راهويه فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوفا عليه ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح النسخ به لوجوه أربعة
(٢٢٢)